فصل: ثم دخلت سنة تسـع عشـرة وخمسمائـة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة سـت عشـرة وخمسمائـة

فيهـا قتل السلطان محمود جيوش بك وهو الذي كان قد خرج على السلطـان مـع مسعـود أخـي السلطـان ولمـا أمـن محمـود أخـاه جيـوش بـك وأقطعـه أذربيجان سعت به الأمراء إلى محمود فقتله في رمضان على باب تبريز‏.‏

  ذكر وفاة أيلغازي

فـي هذه السنة في رمضان توفي أيلغازي بن أرتق وملك بعده ابنه تمرتاق قلعة ماردين وملك ابنـه سليمـان ميافارقيـن وكـان بحلـب ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق فبقي بها حاكماً إلى أن أخذها منه ابن عمه بلك بن بهرام بن رتق‏.‏

وفيها أقطع السلطان محمود مدينة واسط لأقسنقر‏.‏

البرسقي زيادة على ما بيده من الموصل وأعمالها فاستعمل البرسقي على واسط وفيهـا توفـي عبـد القـادر بـن محمد بن عبد القادر بن محمد ومولده سنة ست وثلاثين وأربعمائة وكان ثقة حافظاً للحديث‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع عشـرة وخمسمائـة

فـي هـذه السنـة كـان الحـرب بيـن الخليفـة المسترشـد باللـه وبيـن دبيـس بـن صدقـة فخرج الخليفة بنفسه مع من اجتمع إليه واشتد القتال بينه وبين دبيس فانهزم دبيس وعسكره وسار دبيس إلى غزية من العرب فلم يطيعوه فراح إلى المنتفق واتفقوا معه

وسار إلى البصرة ونهبها ثم سار دبيس إلى الشام وصار مع الفرنج وأطمعهم في ملك حلب‏.‏

وفيها سلم سليمان بن عبد الجبار بن أرتق حصن الأثارب إلى الفرنج ليهادنوه على حلب لعجـزه عـن مقاومتهم‏.‏

وفيها سار بلك بن بهرام بن أرتق إلى حران وملكهما ثم بلغه عجز ابن عمه سليمان عن حلب فسار إلى حلب وملكها في جمادى الأولى‏.‏

وفيهـا استولـى الفرنـج علـى خرتبرت وكان بها جوسلين وغيره من الفرنج محبوسين وخلصوهم من خرتبرت وكانت لبلك ثم سار إليها بلك واسترجعهما من الفرنج‏.‏

وفيهـا توفـي قاسـم بـن هاشـم العلـوي الحسنـي أميـر مكـة شرفهـا اللـه تعالـى وولـي بعـده ابنـه أبو فليتة وفيها سار طغتكين صاحب دمشق إلى حمص وهجم المدينة ونهبها وحصر صاحبها قيرخان بن قراجا بالقلعة ثم رحل عنه وعاد إلى دمشق‏.‏

وفيها سار الأمير محمود بن قراجا صاحب حماة إلى أفامية وهجم ربضها فأصابه سهم من القلعـة فـي يـده فعـاد إلـى حمـاة وعملـت عليـه يـده فمات من ذلك واستراح أهل حماة من ظلمه فلما سمع طغتكين الخبر أرسل إلى حماة عسكراً وملكها وصارت حماة من جملة بلاده وفيها توفي أحمـد بـن محمد بن علي المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي وله أشعار فائقة منها قصيدته التي منها‏:‏ سلـوا سيـف ألحاظـه الممتشـق أعنـد القلوب دم للحدق مـن التـرك مـا سهمـه إذ رمـي بأفتك من طرفه إذ رمـق ومنها‏:‏ وللحب ما عزمني وهان وللحسن ما جل منه ودق وكانت ولادته في سنة خمس وأربعمائة بدمشق رحمه الله تعالى‏.‏

  ثم دخلت سنة ثماني عشرة وخمسمائة

ذكر قتل بلك‏:‏ فـي هـذه السنـة قتـل بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب وسببه أنه قبض على الأمير حسان البعلبكي صاحب منبج وسار إلى منبج فملك المدينة وحصر القلعة فبينما هو يقاتل إذ أتاه سهم فقتله لا يدري من رماه فاضطرب عسكره وتفرقوا وخلص حسان صاحب منبج وعاد إليهـا وملكهـا وكان في جملة عسكر بلك ابن عمه تمرتاش بن أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين فحمل بلك مقتولاً إلـى حلـب وتسلمهـا واستقـر تمرتـاش فـي ملـك حلـب فـي عشريـن مـن ربيـع الـأول مـن هذه السنة ورتب أمرها وعاد إلى ماردين‏.‏

وفي هذه السنة ملك الفرنج مدينة صور بعد حصار طويل وكانت للخلفاء العلويين أصحاب مصر وكان ملكها بالأمان وخرج المسلمون منها في العشرين من جمادى الأولى بما قدروا على حمله من أموالهم‏.‏

وفيها اجتمعت الفرنج وانضم إليهم دبيس بن صدقة وحاصروا حلب وأخذوا في بناء بيوت لهم بظاهرها فعظم الأمر على أهلها ولم ينجدهم صاحبها تمرتاش لإيثاره الرفاهـة والدعـة فكاتـب أهـل حلـب أقسنقـر البرسقـي صاحـب الموصـل فـي تسلميها إليه فسار إليهم فلما قرب من حلـب رحلت الفرنج عنها وسلم أهل حلب المدينة والقلعة إليه واستقرت في ملك البرسقي مع الموصل وغيرها‏.‏

وفـي هـذه السنـة مات الحسن بن الصباح مقدم الإسماعيلية صاحب الألموت وقد تقدم ذكره في

  ثم دخلت سنة تسـع عشـرة وخمسمائـة

فـي هـذه السنـة سـار البرسقي إلى كفر طاب وأخذها من الفرنج ثم سار إلى أعزاز وكانت لجوسلين فاجتمعت الفرنج لقتالـه فاقتتلـوا فانهـزم البرسقـي وقتل من المسلمين خلق كثير‏.‏

وفيها مات سالم بن مالك بن بدران بن المقلد بن المسيب صاحب قلعة جعبر وملكهما بعده ابنه مالك بن سالم‏.‏

  ثم دخلت سنة عشرين وخمسمائة

ذكر مقتل البرسقي في هذه السنة ثامن ذي القعدة قتلت الباطنية قسيم الدولة أقنسقر البرسقي صاحب الموصل يوم الجمعة في الجامع بالموصل وهو في الصلاة فوثب عليه منهـم بضعـة عشـر نفسـاً وكـان البرسقي مملوكاً تركياً شجاعاً ديناً حسن السيرة من خيار الولاة رحمه الله تعالى وكان ابنه عز الدين مسعود في حلب فلما بلغه قتل أبيه سار إلى الموصل واستقر في ملكها‏.‏

ذكر الحرب بين طغتكين والفرنج في هذه السنة اجتمعت الفرنج وقصدوا دمشق نزولاً في مرج الصفـر عنـد قريـة شقحـب وأرسل طغتكين وجمع التراكمين وغيرهم وخرج إلى الفرنج والتقى معهم في أواخر ذي الحجة وكان مع طغتكين رجالة كثيرة من التركمـان واشتـد القتـال فانهـزم طغتكيـن والخيالـة وتبعهـم الفرنج ولم يقدر رجالة التركمان على الهرب فقصدوا مخيم الفرنج وقتلوا كل من وجدوه من الفرنج ونهبوا أموال الفرنج وأثقالهم وسلموا بذلك‏.‏

ولما عاد الفرنج من وراء المنهزمين وجدوا أثقالهـم وخيمهـم قـد نهبـت فانهزم أيضاً وفيها حصر الفرنج رفنية وملكوها وفيها توفي أبو الفتوح أحمـد بـن محمـد بـن محمـد الغزالـي الواعـظ أخـو أبـي حامـد الغزالـي وكانت له كرامات‏.‏

وقد ذمه أبو الفـرج ابـن الجـوزي بأشياء كثيرة منها روايته في وعظه الأحاديث التي ليست بصحيحة‏.‏

وكان مـن الفقهـاء غيـر أنـه مـال إلـى الوعـظ فغلب عليه واختصر كتاب أخيه إحياء علوم الدين في مجلد وسماه لباب الأحياء

  ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

في هذه السنة ولى السلطان محمـود شحنكيـة العـراق عمـاد الديـن زنكـي بـن أقنسقـر مضافاً إلى ما بيده من ولاية واسط وفيها سار السلطان محمود عن بغداد وفي هذه السنة سار صاحب الموصل مسعود بن أقسنقر البرسقي إلى الرحبة واستولى عليها ومرض وهو محاصرها ومات مسعود يوم تسليم الرحبة إليه وقام بالأمر بعد مسعود مملوك البرسقي اسمه جاولي أقام أخاً لمسعود صغيراً في الملك وأرسـل إلـى السلطـان محمـود يسألـه في توليته فلم يجب إلى ذلك وولى على الموصل عماد الدين زنكـي بـن أقسنقـر فسـار عمـاد الديـن مـن بغـداد ورتـب أمـر الموصـل وأقطـع جاولـي مملـوك البرسقي المذكور مدينة الرحبة ثم سار عماد الدين واستولى على نصيبين وسنجار وحران وجزيرة ابن عمر‏.‏

وفيها ولي السلطان محمود شحنكية العراق لمجاهد الدين بهروز بعد مسير عماد الدين زنكي عنها إلى الموصل‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن إبراهيم الفرضي الهمذاني صاحب التاريخ‏.‏

وفيها توفي ظهير الدين إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط وملك بعده أخوه أحمد بن سكمان وبقي عشرة أشهر وتوفي أحمد المذكور فحكمت والدة إبراهيم وأحمد المذكورين وهي إينانج خاتون بنت أركمان وأقامت في المملكة معها ولد ولدها وهو سكمان بن إبراهيم بن سكمان وعمره حينئذ ست سنين واستبدت إينانج بالحكم حسبما تقدم ذكره في سنة ست وخمسمائة

  ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

  ذكر ملك عماد الدين زنكي حلب

كانت حلب للبرسقي وكان بها ولده مسعود فلما قتل البرسقي وسار مسعـود إلـى الموصـل استخلف على حلب أميراً اسمه قومار كذا رأيته مكتوبـاً وصـوا بـه قيمـاز ثـم استخلـف مسعود على حلب قتلغ بعد قيماز فاستولى على حلب بعد موت مسعود على الرحبة كما ذكرنا وأساء قتلغ السيرة وكان مقيمـاً بحلـب سليمـان بـن عبـد الجبـار بـن أرتـق الـذي كـان صاحبها أولاً فاجتمع أهل حلب عليه لسوء سيرة قتلغ وملكوه مدينة حلب وعصى قتلغ في القلعة وسمع الفرنج باختلاف أهل حلب فسار إليهم جوسلين فصالحوه بمال فرحل عنهم وكان قد استقر عماد الدين زنكي في ملك الموصل فأرسل عسكراً مع بعض قواده واسمه قراقوش إلـى حلـب ومعـه توقيع السلطان محمود بالشام فأجاب أهل حلب إليه وتقدم عسكر عماد الدين إلـى سليمـان وقتلـغ بالمسير إلى عماد الدين زنكي فسار إليه إلى الموصل فلما وصلا إلى عماد الدين زنكي أصلح بين سليمان وقتلغ ولم يرد واحداً منهما إلى حلب وسار عماد الدين إلى حلـب وملـك فـي طريقـه منبـج وبزاغـة وطلـع أهـل حلـب إلـى تلقيه واستبشروا بقدومه فدخل عماد الدين البلد ورتب أموره ثم إن عماد الدين قبض على قتلغ وكحله فمات وكان ملك عماد الدين زنكي حلب وقلعتها في المحرم من هذه السنة‏.‏

ذكر غير ذلك وفـي هـذه السنـة سـار السلطان سنجر من خراسان إلى الري ومعه دبيس بن صدقة وكان قد سـار إلـى سنجـر واستجار به فلما وصل سنجر إلى الري أرسل يستدعي ابن أخيه السلطان محمـود فحضـر محمود إلى عمه سنجر فأكرمه سنجر وأجلسه معه على السرير وأمره بالإحسان إلـى دبيس وإعادته إلى بلده فامتثل السلطان محمود ذلك وعاد سنجر إلى خراسان وفيها في صفر مات طغتكين صاحب دمشق وهو من مماليك تنش بن ألب أرسلان وكـان طغتكيـن عاقـلاً خيـراً وكـان لقبـه ظهيـر الديـن ولمـا توفـي ملـك دمشـق بعده ابنه تاج الملوك توري بن طغتكين بعهـد مـن والـده وكان توري أكبر أولاده‏.‏

  ثم دخلت ثلاث وعشرين وخمسمائة

وفيها عاود دبيس العصيـان علـى السلطـان والخليفـة وتـرددت بينهـم الرسـل فلـم يحصـل الصلـح فسـار السلطـان محمـود إلـى بغـداد وجهـز جيشـاً كثيفـاً فـي أمـر دبيـس فعبـر دبيس البرية بعد أن نهب البصرة وأموال الخليفة والسلطان‏.‏

  ذكر أخبار الإسماعلية بالشام وقتلهم وحصر الفرنج دمشق

كـان قـد سار رجل من الإسماعلية يسمى بهرام بعد قتل خاله إبراهيم الأسترابادي ببغداد إلى الشام ودخل دمشق ودعـى النـاس إلـى مذهبـه‏.‏

وأعانـه وزيـر تـوري صاحـب دمشـق وهـو طاهر ابن معد المزدغاني وسلم إلى بهرام قلعة بانياس فعظم أمر بهرام بالشام وملـك عـدة حصون بالجبال وجرى بين بهرام وبين أهل وادي النيم مقاتلة فقتل فيها بهرام وقام مقامه بقلعة بانياس رجل منهم يسمى إسماعيل‏.‏

وأقام الوزير المزدغاني عوض بهرام بدمشق رجلاً منهم تسمى أبا الوفا وعظم أمر أبي الوفا حتى صار الحكم له بدمشق فكاتب أبو الوفا الفرنج على أن يسلم إليهم دمشق ويسلموا إليه عوضها مدينة صور واتفقوا على ذلك‏.‏

وأن يكون قدوم الفرنج إلى دمشق يوم الجمعة ليجعل أبو الوفا أصحابه على أبواب جامع دمشق‏.‏

وعلم تاج الملوك توري صاحب دمشق بذلك فاستدعى وزيره المزدغاني وقتله وأمر بقتل الإسماعلية الذين بدمشق فثأر بهم أهل دمشق وقتلوا من الإسماعلية ستة آلاف نفر ووصل الفرنج إلى الميعاد وحصروا دمشق فلم يظفـروا بشيء وكان البرد والشتاء شديداً فرحلوا عن دمشق شبه المنهزمين وخـرج تـوري بعسكـر دمشـق فـي إثرهـم وقتلـوا منهـم عـدة كثيرة وأما إسماعيل الباطني الذي كان في قلعة بانياس فإنه سلم قلعة بانياس إلى الفرنج وصار معهم‏.‏

ذكر ملك عماد الدين زنكي حماة فـي هـذه السنـة ملـك عمـاد الدين زنكي حماة وسببه أنه كان بحماة سونج بن توري نائباً بها عن أبيه توري وكان قد سار عماد الدين زنكي من الموصل إلى جهة الشام وعبر الفرات وأرسل إلى توري يستنجده على الفرنج فأرسل توري إلى ولده سونج بحماة يأمره بالمسير إلى عماد الدين زنكي فسار سونج إليه فغدر عماد الدين زنكي بسونج وقبض عليه وارتكب أمـراً شنيعـاً مـن الغـدر ونهـب خيامـه والعسكـر الذيـن كانـوا صحبتـه واعتقـل سونـج وجماعـة مـن مقدمي عسكره بحلب ولما قبض عماد الدين زنكي على سونج سـار مـن وقتـه إلـى حمـاة وملكها لخلوها من الجند‏.‏

ثم رحل عنها إلى حمص وحاصرها مدة وكان قد غدر أيضـاً بصاحبها قيرخان بن قراجا وقبض عليه وأحضره صحبته إلى حمص ممسوكاً وأمره أن يأمر ابنه وعسكره بتسليم حمص‏.‏

فأمرهم قيرخان فلم يلتفتوا إليه فلما أيس زنكي منها رحل عنها عائداً إلى الموصل واستصحب سونج وأمراء دمشق معه واستمر بهم معتقلين وكتب توري إليه وبذل له مالاً في ابنه سونج فلم يتفق له حال‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفـي هذه السنة ملك الفرنج حصن القدموس‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح أسعد بن أبي نصر الفقيه الشافعي مدرس النظامية وله طريقة مشهورة في الخلاف وكان له قبول عظيم عند الخليفة والناس‏.‏

وفيهـا توفـي الشريـف حمـزة بـن هبـة اللـه بـن محمـد العلـوي الحسيني النيسابوري سمع الحديث الكثير ورواه‏.‏

ومولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة وجمع بين شرف النسب وشرف النفس والتقوى

  ثم دخلت سنة أربع وعشرين وخمسمائة

  ذكر فتح الأثارب

فيها جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل إلى الشـام وقصـد حصـن الأثـارب لشدة ضرره على المسلمين فإن أهله الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمال حلب الغربية حتى على رحى بظاهر باب الجنان بينها وبين سور حلب عرض الطريق‏.‏

وأظن أن اسمها العريبة وكان أهل حلب معهم في ضيق شديد فسار عماد الدين إليه ونازله وجمـع الفرنج فارسهم وراجلهم وقصدوا عماد الدين فرحـل عمـاد الديـن عـن الأثـارب وسـار إلـى ملتقاهـم فالتقوا واقتتلوا أشد قتال ونصر الله المسلمين وانهزم الفرنج ووقع كثير من فرسانهم في الأسر وكثر القتل فيهم ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الأثارب فأخذوه عنوة وقتلوا وأسموا كل من فيه وخرب عماد الدين في ذلك الوقت حصن الأثارب المذكور وجعله دكاً وبقي خراباً إلى الآن‏.‏

ذكر وفاة الآمر بأحكام الله العلوي فـي هـذه السنـة فـي ذي القعـدة قتـل الآمـر بأحكام الله العلوي أبو علي منصور بن المستعلي أحمد بن المستنصر معد العلوي صاحب مصر وكان قد خرج إلى مستنزه له فلما عاد وثب عليه الباطنية فقتلوه وكانت ولايته تسعاً وعشرين سنه وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً‏.‏

وعمره أربعاً وثلاثين سنة‏.‏

وهـو العاشـر مـن ولـد المهـدي عبيـد اللـه‏.‏

وهو العاشر من الخلفاء العلويين‏.‏

ولما قتل الآمر لم يكن لـه ولـد فولـى بعده ابن عمه الحافظ عبد المجيد بن أبي القاسم بن المستنصر بالله ولم يبايع أولاً بالخلافة بل كان على صورة نائب لانتظار حمل إن ظهر للآمر‏.‏

ولما تولى الحافظ استوزر أبا علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي فاستبد بالأمر وتغلب علـى الحافـظ وحجـر عليـه ونقـل أبـو علـي مـا كان بالقصر من الأموال إلى داره ولم يزل الأمر كذلك إلى أن قتل أبو علي سنة ست وعشرين على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ فـي هـذه السنـة كـان الرصـد فـي دار السلطنـة شرقـي بغـداد تولـاه البديـع الإسطرلابـي ولـم يتـم‏.‏

وفـي هـذه السنـة ملـك السلطـان مسعـود قلعـة ألمـوت‏.‏

وفيهـا توفـي إبراهيـم بـن عثمـان بـن محمـد الغـزي عنـد قلعـة بلـخ ودفن فيها وهو من أهل غزة ومولده سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وهو من الشعراء المجيدين فمن قصائده المشهورة قصيدته التي مدح فيها الترك التي أولها‏:‏ ومنها‏:‏ في فتية من جيوش الترك ما تركت للرعد كراتهم صوتاً ولا صيتا قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قوتلوا كانوا عفاريتا ثم ترك الغزي قول الشعر وغسل كثيراً منه وقال‏:‏ قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة باب البواعث والدواعي مغلق خلـت البلـاد فـلا كريـم يرتجـى منه النوال ولا مليح يعشق ومـن العجائـب أنـه لا يشترى ويخان فيه مع الكساد ويسرق

  ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة

فيها أسر دبيس بن صدقة وسبب ذلك مسيره من العراق إلى صرخـد لـأن صرخـد كـان صاحبها خصياً وكانت له سرية فتوفي الخصي في هذه السنة واستولت سريته على قلعة صرخـد ومـا فيهـا وعلمـت أنـه لا يتـم لها ذلك إن لم تتصل برجل يحميها فأرسلت إلى دبيس ابن صدقة تستدعيه للتزوج به وتسلم إليه صرخد وما فيها من مال وغيره‏.‏

فسـار دبيس من العراق إليها فضل به الأدلاء بنواحي دمشق فنزل بناس من كلب كانوا شرقي الغوطة فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك توري بن طغتكين صاحب دمشق في شعبان من هذه السنة فحبسه توري وسمع عماد الدين زنكي بأسر دبيس فأرسل إلى توري يطلبه ويبذل له إطلاق ولده سونج ومن معه من الأمراء الذين غدر بهم زنكي وقبضهم‏.‏

كما تقدم ذكره‏.‏

فأجاب توري إلى ذلك وأفرج زنكي عن المذكورين وتسلم دبيس فأيقن دبيس بالهلاك لأنه كان كثير الوقيعة في عماد الدين زنكي ففعل معه الزنكي بخلاف ما كان يظن وأحسن إلى دبيس وحمل إليه الأموال والسلاح والدواب وقدمه على نفسه ولم يزل دبيس مع عماد الدين زنكـي حتـى انحـدر معـه إلـى العـراق على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وسمع الخليفة المسترشد بقبض دبيس فأرسل يطلبـه مـع سديـد الدولـة ابـن الأنبـاري وأبـي بكـر بـن بشـر الجـزري‏.‏

فأمسكهمـا عماد الدين زنكي وسجن ابن الأنباري ووقع منه في حق ابن بشر مكروه قوي ثم شفع المسترشد في ابن الأنباري فأطلقه‏.‏

  ذكر وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود

فـي هـذه السنـة فـي شـوال توفـي السلطـان محمـود بـن محمـد بـن ملكشـاه بـن ألـب أرسلـان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق بهمدان‏.‏

فأقعد وزيره أبو القاسم النساباذي‏.‏

ابنه داود بن محمود في السلطنة وصار أتابكه أقسنقر الأحمديلي‏.‏

وكان عمـر السلطـان محمـود لمـا توفـي نحـو سبـع وعشريـن سنـة وكانت ولايته السلطنة اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوماً وكان حليماً ذكر غير ذلك في هذه السنة وثب الباطنية على تاج الملوك توري بن طغتكين صاحب دمشق‏.‏

فجرحوه جرحين برئ أحدهما وبقي الآخر ينسر عليه إلا أنه يجلس للناس ويركب على ضعف فيه‏.‏

وفيها توفي حماد بن مسلم الرحبي الرياشي الزاهد المشهور صاحب الكرامات وسمع الحديث وله أصحاب وتلاميذ كثيرة وكان أبو الفرج ابن الجوزي يذمه ويثلبه‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة

فيها قتل أبو علي بن الفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي‏.‏

وكان أبو علي المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة وقطع من الأذان ‏(‏حي على خير العمل‏)‏ فنفرت منه قلوب شيعـة العلويين وثار به جماعة من المماليك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره‏.‏

وخـرج الحافـظ مـن الاعتقـال ونقـل مـا بقـي في دار أبي علي إلى القصر وبويع الحافظ في يوم قتل أبي علي بالخلافة واستوزر أبا الفتح يانس الحافظي وبقي يانس مدة قليلة ومات فاستوزر الحافظ ابنه الحسن بن الحافظ وخطب له بولاية العهد ثم قتل الحسـن المذكـور سنـة تسـع وعشرين وخمسمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفـي هـذه السنـة تحـرك السلطـان مسعـود بن محمد في طلب السلطنة وأخذها من ابن أخيه داود ابـن محمـود وكذلـك تحـرك سلجـوق بـن محمـد صاحـب فـارس أخـو مسعـود وأتابكه قراجا الساقي في طلب السلطنة وقدم سلجوق إلى بغداد واتفق الخليفة المسترشد معه واستنجد مسعـود بعمـاد الديـن زنكـي فسـار إلـى بغـداد لقتـال الخليفـة وسلجـوق فقاتلـه قراجـا أتابـك سلجوق وانهزم زنكي إلى تكريت وعبر منها وكان الدزدار بها إذ ذاك نجم الدين أيوب فأقام لـه المعابـر فعبر عماد الدين وسار إلى بلاده وكان هذا الفعل من نجم الدين أيوب سبباً للاتصال بعماد الدين زنكي حتى ملك أيوب البلاد‏.‏

ثم اتفق الحال بين مسعود وأخيه سلجوق والخليفة المسترشد على أن تكون السلطنة لمسعود ويكون أخوه سلجوق شاه ولي عهده وعادوا إلى بغداد ونزل مسعود بدار السلطنة وسلجوق بـدار الشحنكيـة وكـان اجتماعهـم فـي جمادى الأولى من هذه السنة ثم إن السلطان سنجر سار من خراسان ومعه طغريل ابن أخيه السلطان محمد لأخذ السلطنة من مسعود وجرى المصاف بينه وبين مسعود وسلجوق فانهزم مسعود ثم إن السلطان سنجر بذل الأمان لمسعود فحضر عنده وكان قد بلغ خونج فلما رآه سنجر قبله وأكرمه وعاتبه وأعاده إلى كنجه وأجلس الملك طغريل في السلطنة وخطب له في جميع البلاد ثم عاد إلى خراسان فوصل إلى نيسابور في ذكر الحرب بين المسترشد الخليفة وبين عماد الدين زنكي‏:‏ في هذه السنة سار عماد الدين زنكي ومعه دبيس بن صدقة وعدى الخليفة إلى الجانب الغربي وسار ونزل بالعباسية ونزل عماد الدين بالمنارية من دجيل‏.‏

والتقيا بحصن البرامكة في سابع وعشرين رجب فحمل عماد الدين على ميمنة الخليفة فهزمها وحمل الخليفة بنفسه وبقية العسكر فانهزم دبيس ثم انهزم عماد الدين وقتل بينهم خلق كثير‏.‏

ذكر وفاة توري صاحب دمشق‏:‏ في هذه السنة توفي تاج الملوك بن طغتكين صاحب دمشق بسبب الجرح الذي كان به من الباطنيـة علـى مـا تقـدم ذكـره فتوفـي فـي حـادي وعشريـن رجب وكانت إمارته أربع سنين وخمسة أشهر وأياماً‏.‏

ووصى بالملك بعده لولده شمس الملوك إسماعيل ووصى ببعلبك وأعمالها لولده شمس الدولة محمد وكان توري شجاعاً سد مسد أبيه‏.‏

ولما استقر إسماعيل بن توري في ملك دمشق وأعمالها واستقر أخوه محمد في ملك بعلبك واستولى محمد على حصن الرأس وحصن اللبوة وكاتب إسماعيل صاحب دمشق أخاه محمداً صاحـب بعلبك في إعادتهما فلم يقبل محمد ذلك فسار إسماعيل وفتح حصن اللبوة ثم حصن الرأس وقرر أمرهما ثم سار إلى أخيه محمد وحصره ببعلبـك وملـك المدينـة وحصـر القلعـة فسألـه محمـد فـي الصلـح فأجابـه وأعـاد عليـه بعلبـك وأعمالهـا‏.‏

واستقرت أمورهما وعاد إسماعيل إلى دمشق مؤيداً منصوراً‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة

فيها سار شمس الملوك إسماعيل بن توري صاحب دمشق على غفلة من الفرنج إلى حصن بانياس فملك مدينة بانياس بالسيف وقتل وأسر من كان بها وحاصر قلعة بانياس وتسلمها بالأمان‏.‏

وفي هذه السنة جمع السلطان مسعود العساكر وانضم إليه ابن أخيه داود بن محمود وسار السلطـان مسعود إلى أخيه طغريل وجرى بينهما قتال شديد انهزم فيه طغريل واستولى مسعود علـى السلطنـة وتبـع أخـاه طغريـل يطـرده مـن موضـع إلى موضع حتى وصل إلى الري‏.‏

واقتتلا ثانياً فانهزم طغريل أيضاً وأسر جماعة من أمرائه‏.‏

وفيها سار الخليفة المسترشد بعساكر بغداد وحصر الموصل ثلاثة أشهـر وكـان عمـاد الديـن زنكي قد خرج من الموصل إلى سنجار وحصن الموصل بالرجال والذخائر ثم رحل الخليفة ذكر ملك شمس الملوك إسماعيل مدينة حماة وفي هذه السنة سار إسماعيل بن توري صاحب دمشق من دمشق في العشر الآخر من رمضان إلى حماة وهي لعماد الدين زنكي من حين غدر بسونـج بـن تـوري وأخذهـا منـه حسبما تقدم ذكره في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة فحصرها شمس الملوك إسماعيل وقاتل من بها يوم عيد الفطر وعاد ولم يملكها فلما كان الغد بكر إليهم وزحف من جميع جوانب البلد فملكه عنوة وطلب من به الأمان فأمنهم وحصر القلعة ولم تكن إذ ذاك حصينة فإنهـا حصنـت فيمـا بعد لأن تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين قطع جبلها وعملها على ما هي عليه الآن في سنين كثيرة فلما حصرها شمس الملوك إسماعيل وعجز النائب بها عن حفظها فسلمها إليه فاستولى عليها وعلى ما بها من ذخائر وسلاح وذلك في شوال من هذه السنة‏.‏

لما فرغ شمس الملوك إسماعيل من حماة سار إلى شيزر وبها صاحبها من بني منقذ فنهب بلدها وحصر القلعة فصالحه صاحبها بمال حمله إليـه فعـاد عنهـا وسـار إلـى دمشـق ووصل إليها في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة اجتمعت التراكمين وقصدوا طرابلس فخرج من بها من الفرنج إليهم واقتتلوا فانهزم الفرنج وسار القومص صاحب طرابلس ومن في صحبته فانحصروا في حصن بعرين وحصرهـم التركمـان بهـا ثـم هرب القومص من الحصن في عشرين فارساً وخلى بحصن بعرين من يحفظه ثم جمع الفرنج وقصدوا التركمان ليرحلوهم عن بعرين فاقتتلوا فانحاز الفرنج إلى نحور فنية وعاد التركمان عنهم‏.‏

وفيهـا اشتـرى الإسماعليـة حصـن القدمـوس مـن صاحبه ابن عمرون‏.‏

وفيها وفي ربيع الآخر وثب على شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق بعض مماليك جده طغتكين فضربه بسيف فلم يعمل فيه وتكاثر على ذلك الشخص مماليك شمس الملوك فقبضوه وقرره شمس الملوك فقال ما أردت إلا إراحة المسلمين من شرك وظلمك ثم أقر على جماعة من شدة الضرب فقتلهم من غيـر تحقيـق وقتـل شمس الملوك إسماعيل أيضاً مع ذلك الشخص أخاه سونج بن توري الذي كان بحماة وأسره زنكي على ما تقدم ذكره في سنة ثلاثة وعشرين وخمسمائة فعظم ذلك على الناس ونفروا من شمس الملوك إسماعيل المذكور‏.‏

وفيها توفي علي بن يعلي بن عوض الهروي وكـان واعظـاً ولـه بخراسـان قبـول كثيـر وسمـع الحديث فأكثر‏.‏

وفيها توفي أبو فليتة أمير مكة وولي إمارة مكة بعده أبو القاسم‏.‏

فيها في المحرم سار شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق إلـى حصـن الشقيـق وكـان بيـد الضحاك بن جندل رئيس وادي التيم قد تغلـب عليـه وامتنـع بـه فأخـذه شمـس الملـوك منـه وعظم ذلك على الفرنج وقصدوا بلد حوران وجمع شمس الملوك الجموع وناوشهم ثم أغار على بلادهم من جهة طبرية ففت ذلك في أعضاد الفرنج ورحلوا عائدين إلى بلادهم ثم وقعت الهدنة بينهم وبين شمس الملوك‏.‏

وفي هذه السنة استولى عماد الدين زنكي على جميع قلاع الأكراد الحميدية منها قلعة العقير قلعة شوش وغيرهما ثم استولى على قلاع الهكارية وكواشي‏.‏

وفيها أوقع ابن دانشمند صاحب ملطية بالفرنج الذين بالشام فقتل كثيراً منهم‏.‏

وفيها اصطلح الخليفة المسترشد وعماد الدين زنكي‏.‏